العبدري ـ محمد بن محمد بن علي ـ الرحلة المغربية من المغرب الأقصى إلى المشرق، بداها سنة 688 هـ ـ 1289م.
وزارمليانة في تلك المدة الرحالة المغربي العبدري فقال:
مليانة: وقد ألقى جمل الإعياء جرانه وغنى بلبل الغناء ألوانه إلى البلدة الخصيبة مليانة، وهي مدينة مجموعة مختصرة وليست مع ذلك عن أمهات المدن مقصرة أشرفت عن كثب على وادي الشلف، واستشرقت نسيم طرفنا من شرف روضة جمة الأوهار والطرف، برعت في سفح جبل حما حماها أن يرام، وشرعت في أصل شهر يشفي إليهم من الهيام، شاق منظرا وراق مخبرا وشفي الظماء موردا ومصدرا، يشتهي الناظر إليه وهو ريان الشروع، ويقول: لو رش به لأفاق المصروع كان حصاءه جمان والماء من رقته دموع، وبها جامع مليح عجيب يدعو الشوق من رآه فيجيب، ولكن الزمان قد عوضه من حلي عطلا وأدى له من حكمته خطلا:
وفي مليانة قد ذبت شوقا *** بلين العطف والقلب القسي
كذا مليانة أبدت عويلا *** لأهل ضمهم جرف الأتي1
ولما تغلب السلطان أبو الحسن على المغرب الأوسط ومحا دولة آل زيان وجمع كلمة زناتة وانتظم مع بلادهم بلاد افريقية وعمل الموحدين وضم مملكته مليانة وتنس ونواحيها.
وانتفضت العمالات والأطراف، وانتزى أعياص الملك بمواطنهم الأولى توثب علي بن محمد بن ثابت بن منديل على بلاد شلف، وتملكها وتغلب على أمصارها: مليانة وتنس وبرشك وشرشال وأعاد ما كان لسلفه فيها من الملك على طريقتهم البدوية، وأرهفوا خدهم لمن طالبهم من القبائل.ا.هـ
وكانت مليانة في ذلك العصر حدا فاصلا بين مملكة الزيانيين غربا وبين مملكة الحفصيين شرقا ومن أشهر قبائل الناحية.
وقال عنها الرحالة الانكليزي شاو shaw :( من يرى المدينة من بعيد يظن أن بها منازل ضخمة وجميلة وآثارا قديمة عديدة حتى إذا طلع إليها الزائر خاب ظنه.. فهي قرية لا مدينة وديارها مغطاة بالقرمد خلافا للعادة الجارية في البلاد والتي تفضل السطوح .. وأحسن شيء هناك ـ زيادة على المياه المتدفقة ، هو المنظر الرائع المطل على أراضي جندل ومطماطة وغيرها من القبائل إلى المدينة، وفي فصل الربيع يقدم إليها الجزائر والبليدة والنواحي جموع من الناس يزورون ويتبركون بوليها سيدي أحمد بن يوسف2).
وهكذا احتفظت مليانة بمكانتها طيلة العهد التركي في الجزائر ينزل بها المسافر عابر البلاد من المشرق والمغرب أو العكس طلبا للراحة أو متشوقا للإطلاع.
قال الشيخ ابن مسايب3 التلمساني في رحلته إلى مكة:
اقطع المشرع وتهدف *** وبات من ثمة لا تلهف
زور سيدي أحمد بن يوسف *** وبات مليانة داخلها
قوم قبل طلوع الغرار *** وأوعد المدفون في زكار
زوروا وادخل عنده دار *** وعدته لا بد تعطيها
ويعطينا فانتور دي بارادي venture de paradis بعض المعلومات تتعلق بإدارة السلطان في ذلك العهد ( كان على رأس كل مدينة هامة مثل المدية والبليدة وبوفاريك ومليانة وبني جياب قائد تركي يعين فيدفع ـ في مقابل التسمية ـ مبالغ من المال وكميات من المنتوجات والهدايا للداي)4
ويتحدث هذا الفرنسي عن فلاحة الأرز في الجزائر فيقول:( يتعاطى ناحية مليانة إلى فلاحة الأرز وكذلك ناحية مينا ( دائرة غيليزان) غير أن أرز مليانة أجود من الآخر)
وتنتج الناحيتان سنويا ما بين 5000 و 6000 قنطارا تكفي المستهلكين وأصبح الناس لا يستوردون الأرز من مصر)
وفي أواخر الثامن عشر حررت وهران 1792م من الاحتلال الاسباني فقام الباي محمد الكبير ببناء ما انهدم من الديار وباعادة السكان إلى ديارهم وتنشط التجارة والصناعة فاستقدم من يقوم بذلك من تلمسان ومليانة خاصة.
الهوامش:1- البيت الأول للحسن بن لفكون القسنطيني والثاني منها للعبدري
2- شاو shaw ص 282 -284
3- من شعراء الملحون في القرن 18
4- المجلة الإفريقية سنة 1895.