التاهرتي:هو بكر بن حماد بن سهل بن إسماعيل الزناتي التاهرتي. أبو عبد الرحمن, ولد بتاهرت سنة 200هـ, ونشأ فيها, ولما شب انتقل إلى القيروان وسمع من شيخها سحنون ثم سار إلى المشرق وقصد بغداد وكانت مركز الحضارة والعلم والثقافة, وهناك تفتحت مواهبه الشعرية, فأخذ يتردد على مجالس شيوخ الشعر وأمرائه أمثال أبي تمام, ودعبل الخزاعي وعلي بن الجهم. مدح الخليفة المعتصم فوصله بصلات جزيلة, وحين هجا دعبل الخزاعي المعتصم بقصيدة يقول فيها:
ملوك بني العباس في العد سبعة *** ولم يأتنا عن ثامن لهم كتب
كذلك أهل الكهف في الكهف سبعة *** غداة ثووا فيه وثامنهم كلب
تولى ابن حماد الرد عليه, واستعدى الخليفة عليه واضطره إلى الهروب وفي ذلك
يقول:
أيهجو أمير المؤمنين ورهطه ***ويمشي على الأرض العريضة دعبل?
أما والذي أرسى ثبيرا ورهطه *** لقد كانت الدنيا لذاك تزلزل
ولكن أمير المؤمنين بفضله *** يهم فيعفو, أو يقول فيفعل
ويعاتبه أبو تمام ويقول له: قتلته والله يا أبا بكر, فيمضي حماد في قوله:
وعاتبني فيه (حبيب) وقال لي *** لسانك محذور وسمك يقتل
وإني وإن صرفت في الشعر منطقي *** لأنصف فيما قلت فيه وأعدل
هو شاعر مجيد, متفنن في أبواب الشعر, متين السبك, حسن الديباجة, سهل التراكيب, فصيح الألفاظ, ولكنه كان متقلب الهوى, مثل كثير من الشعراء الذين يتكسبون بالشعر. هجا عمران بن حطان الخارجي لأنه أثنى على عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي بن أبي طالب علي بن أبي طالب وهجا المعتصم وقال فيه: (فليس له دين وليس له لب) ثم عاد ومدحه وحرضه على قتل دعبل الخزاعي الشيعي لهجائه المعتصم كما تقدم, وثار على الإمام الأباضي أبي حاتم يوسف الرستمي ثم عاد فاعتذر إليه بقصيدة يقول فيها:
أبا حاتم, ما كان ما كان بغضة *** ولكن أتت بعد الأمور أمور
وأكرم عفو يؤته الناس أمره *** إذا ما عفا الإنسان وهو قدير
له في الغزل شعر حسن جيد ورقيق من ذلك قوله:
خلقن الغواني للرجال بلية *** فهن موالينا ونحن عبيدها
إذا ما أردنا الورد في غير حينه *** أتتنا به في كل حين خدودها
وله في الرثاء شعر حزين من ذلك قوله وهو يرثي ابنه عبد الرحمن:
وهون وجدي أنني بك لاحق *** وأن بقائي في الحياة قليل
وأن ليس يبقى للحبيب حبيبه *** وليس بباق للخليل خليل
ولو أن طول الحزن مما يرده *** للازمني حزن عليك طويل
وقد بلغت شهرة التاهرتي إلى المغرب الأقصى, فاستقدمه الأمير أحمد الأكبر
ابن القاسم بن إدريس, أمير البصرة (بصرة المغرب) وأوسع عليه في الرزق, فمدحه
بعدة قصائد, ثم عاد إلى مسقط رأسه في عهد الأمير الرستمي أبي حاتم يوسف بن
محمد بن الأفلح, أمير تاهرت . ثم عاد بعد ذلك إلى القيروان متفرغا للتدريس, فلم
يطب له العيش في ظل أميرها إبراهيم بن أحمد الأغلبي, فعزم على العودة إلى بلده
تاهرت فتوجه إليها مع ابنه عبد الرحمن, فخرج إليه جماعة من قطاع الطرق فنهبوا
متاعه وقتلوا ابنه وأصابوه بعدة جراحات. ولما وصل إلى تاهرت جريحا أقام فيها حتى أدركته المنية سنة 296ه عن مائة عام من العمر.