العهد الإسلاميوإن كانت مدينة مليانة مدينة قديمة، فإن أهميتها الحقيقية قد برزت في العهد الإسلامي عندما اختطها بلكين بن زيري بن مناد 10 وفي ذلك قال ابن خلدون:( واختط زيري: مدينة أشير للتحصن بها سفح الجبل المسمى تيطري لهذا العهد حيث مواطن حصين وحصنها بأمر المنصور، وكانت من اعظم مدن المغرب، واتسعت بعد ذلك خطتها واستبحر عمرانها ورحل إليها العلماء والتجار من القاصية، وحين نازل أبا إسماعيل المنصور أبا يزيد لقلعة كتامة جاءه زيري في قومه ومن انضم إليه من حشود البربر، وعظمت نكايته في العدو وكان الفتح، وصحبه المنصور إلى أن انصرف من المغرب ووصله بصلات سنية ( وعقد له على قومه وأذن له في اتخاذ القصور والمنازل والحمامات بمدينة اشير، وعقد له على تاهرت وأعمالها.
ثم اختط ابنه بليكن بأمره وعلى عهده مدينة الجزائر المنسوبة لبني مزغنة بساحل البحر ومدينة مليانة بالعدوة الشرقية من شلف ومدين لمدونة، وهم بطن من بطون صنهاجة وهذه المدن لهذا العهد من اعظم مدن المغرب الأوسط11.
ولعل ابن خلدون يقصد التوسيع والتعديل والتجديد بحيث أصبحت المدينة من امصار المغرب، قال ابو عبيد البكري ( جددها زيري بن مناد واسكنها ابنه بلكين وهي عامرة، ومنها إلى مدينة الخضراء، وهي أولية شريفة، وهي مشرفة على جميع ذلك الفحص الذي فيه بنو واريفن12 وهي عامرة آهلة على نهر ولها آبار عذبة وسوق جامعة ومنها إلى مدينة أشير13)
وعرفت مليانة في العهد الزيري خاصة ازدهارا مرموقا في الزراعة والتجارة مما جعل الشريف الإدريسي يقول( وهي مدينة صغيرة حصينة على نهر صغير عليه عمارات متصلة وكروم وبها من السفرجل كل بديع ولها سوق وحمام وسوقها يجمع إليه أهل الناحية14).
وتواصل ازدهارها وكثرة الثروة وتردد عليها الرحالون فأجمعوا على محاسن الموقع وكثرة المياه ورخاء العيش ـ ومن بين اخبارها في ذلك العهد ما قاله صاحب كتاب الاستبصار وهي مدينة حصينة في سفح جبل يسمى زكار وشعار هذا الجبل كله ريحان وينبعث من هذا الجبل عين خرارة عظيمة تطحن عليها الأرحية لقوتها مياه سائحة وانهر وبساتين فيها جميع الفواكه وهي من اخصب بلاد إفريقة وارخصها أسعارا ومدينة مليانة مشرفة على فحوص واسعة وقرى كثيرة عامرة ومزارع واسعة وحولها قبائل كثيرة من البربر وبشق تلك الفحوص نهر شلف وهو نهر كبير مشهور15"
الهوامش:
10- بلكين بن زيري بن مناد من اشهر أمراء صنهاجة في خدمة الفاطميين قضى حياته كلها في محاربة زناتة بالمغرب الأوسط حتى أقصاهم عن البلاد واستولى على المسيلة والزاب، وكما استولى على فاس وسجلماسة وهزم برغواتة حتى وافاه الأجل وهو في طريق العودة 373 ـ 984.
11- ابن خلدون: كتاب العبر ج6 ص 313 طبعة بيروت.
12- في ملتقى وادي الفضة ونهر شلف شرقي الاصنام.
13- البكري: كتاب المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب، طبعة دوسلان ص 61 ـ 69 ـ مضيفا أن اليعقوبي وفورنال أن مليانة ومدكري أو متغري Medkara ou metghara شيء واحد.
14- الشريف الإدريسي: نزهة المشتاق في اختراق الآفاق.
15- مؤلف مجهول: كتاب الاستبصار ص 58.