تأسست مدرسة ابن خلدون بالأصنام سابقا و الشلف حاليا في 27 رمضان 1944م بدعوة من الأستاذ محمد البشير الإبراهيمي و بإشراف الشيخ الجيلالي بودالي الفارسي ـ نسبة إلى قبيلة أولاد فارس، وهو أحد طلبة الشيح عبد الحميد بن باديس البارزين، وأحد مساعديه في الجامع الأخضر بقسنطينة.
بعد الحرب العالمية الثانية و خروج الشيخ البشير الإبراهيمي من منفاه ، شرعت جمعية العلماء في عهدها الثاني برئاسة الشيخ الإبراهيمي في بث الحركة و تأسيس المدارس، و المساجد، و النوادي في حركة دائبة و عمل متواصل، و قد وصفه الشيخ الجيلالي قائلا " إنه ما نزل في قرية أو مدينة إلا وولّدَ فيها مدرسة و ما غادرها إلا و ترك أهلها في ورشة بناء لما يمتاز به من الذكاء الخارق و التأثير العميق في الجماهير، ومدرسة ابن خلدون في الشلف إحدى صنائعه و حسناته مثل سائر المدارس التي أنشئت في عهده بإيحاء منه و كان يقول رحمه الله :" إنّنا أسسنا هذه المدارس بفضل الله ثم بمال الأمة علينا الرأي و التدبير و التخطيط و الإشراف ثم التنظيم و التعمير و على الأمّة ما وراء ذلك، و من عادته أنه يثير الهمم و يخطط و يصمم و يهيئ الظروف الصالحة للإنشاء ، ثم يضع المشروع بين يدي من يعتمد عليه في التعهد و المراقبة و الإنجاز ، و هذا ما فعله مع الأستاذ الجيلالي الفارسي الذي اعتمده و حثه على مواصلة السعي ، و العمل الجاد من أجل إنجاح المشروع و بروزه إلى الوجود "
ففي فترة و جيزة أنجز مصلحو مدينة الشلف مدرستهم و تمّ افتتاحها تحت إشراف جمعية العلماء في يوم 27 من رمضان عام 1944م و كان الاحتفال الذي أقيم بهذه المناسبة فتحا مبينا على الأمة الشلفية ،التي وقفت كالرجل الواحد لمناصرة المدرسة و رعايتها و ظلّت تؤدي رسالتها في صمت و إصرار غير عابئة بالأخطار المحدقة بها من قبل السلطات الفرنسية ، وقراراتها الجائرة ضد التعليم العربي الذي تتبناه جمعية العلماء.
و إذا كان الشيخ الجيلالي يدير هذه المدرسة فعلا فإن عمله لم يكن قاصرا عليها و حدها فقد وجّه اهتمامه إلى خدمة الأمة من الشباب و الطلبة و الكبار أكثر من اهتمامه بتعليم الصغار و في المدرسة من يحمل عنه هذا العبء من المعلمين كمحمد بونجار- إسماعيل جوامع - الجيلالي بن شهرة - محمد المحاجي - عائشة بسكري - وفاطمة الزهراء.
كان في المدرسة ثلاثة أقسام وعدد التلاميذ يربو على الخمسمائة تلميذ و تلميذة وزعوا على نوعين : الملازمين ، وقراء الفرنسية ، علاوة على أقسام الكبار في التعليم الليلي.
في 10 أكتوبر 1954 نكبت الأصنام بالزلزال فتضررت المدرسة منه و أصبحت غير صالحة لممارسة نشاطها ، فانتقل جهاز المدرسة إلى مبنى خشبي تحصلت عليه الجمعية المحلية فقد كان سابقا مركز القضاء انتقل منه جهازه إلى بناية أعدت له.
تابعت المدرسة مسيرتها في هذا المحل الجديد إلى أن توقفت بأمر من السلطات الفرنسية في سنة 1956 و القي القبض فيها على الشيخ الجيلالي، وشلت الحركة التعليمية، وخمدت الجذوة، ولكنها لم تنطفئ، وظلت وهاجة لامعة، وانتهى عهد الاستعمار باستقلال البلاد، وفتحت المدرسة أبوابها لا لتستقبل البنين والبنات كعادتها، ولكن لخيرة الشباب والطلبة الذين ألفت منهم نواة للمعهد الإسلامي الذي أنشىء في مدينة الشلف ضمن المعاهد الأصلية التي زرعها الجريء الأستاذ مولود قاسم وزير الشؤون الدينية عبر التراب الوطني ويبلغ عددها نحوا من 22 معهدا إلى أن طاف عليها الإدماج في عهد مصطفى الأشرف وزير التربية وألحقها بوزارته، ولست أدري " أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا".
من كتاب:
" المسيرة الرائدة للتعليم العربي الحر بالجزائر"
للأستاذ: محمد الحسن فضلاء
الجزء الثالث
طبعة دار الأمة
صفحة: 123، 124، 125