1- أول تصريح للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية أدلى به السيد فرحات عباس
في اليوم التاسع عشر من شهر سبتمبر سنة 1958 أعلنت الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية…
و إن هذا الإعلان الذي وقع بإسم شعب يكافح منذ أربعة أعوام في سبيل إستقلاله قد بعث الدولة الجزائرية التي إبتلعها الإحتلال الحربي سنة 1830 ومحاها بصفة قاسية ظالمة من الخارطة السياسية للشمال الإفريقي...
وهكذا تنتهي أشنع عمليات الاغتصاب التي تمّت في القرن الماضي والتي أرادت أن تنتزع عن الشعب جنسيته وتغير مجرى تاريخه وتحرمه من كل وسائل الحياة وتحيله إلى ذرات من الأفراد ، وهكذا ينتهي أيضا الليل الطويل ، ليل الخرافات والأباطيل ، وينتهي أخيرا عهد الاحتقار والإذلال والعبودية…
وقد مضت على هذا الشعب أربع سنوات وهو في ميدان الكفاح صامدا أمام قوة عسكرية من أضخم قوى العالم وسقط في ميدان الشرف والكرامة من أبنائه ما يزيد عن الستمائة ألف شهيد خضبت دمائهم طريق الحرية المجيد الطويل ، ولقد ألقت فرنسا بهذا الشعب للطغاة الاستعماريين وقادة الجند يتفننون كل يوم في تعذيبه وتقتيله ، ولكنه ظلّ رغم هذه الآلام ورغم آلاف الضحايا صامدا في عقيدته مؤمنا بأن ساعة التحرير آتية لا ريب فيها…
إن جيش التحرير الوطني بإمكانيته المحدودة يصارع -والنصر إلى جانبه-جيشا فرنسيا جهّز بأحدث الأسلحة من مدفعية وطيران وبحرية…
إن الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية تجدّد العهد بأن تظلَّ مخلصة الإخلاص كله للمثل العليا التي قدَّموا في سبيلها أغلى التضحيات : الحرية والعدالة والتحرّر الاجتماعي…
إن الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية المنبثقة عن إرادة الشعب ، شاعرة من هذه الناحية بكل مسؤولياتها ، وإنها ستضطلع بها جميعا ، وأوّل هذه الواجبات أن تقود الشعب والجيش حتى يتحقّق التحرّر الوطني...
إن الشعب الجزائري شعب مسالم ، فهو لم يرفع سلاحه إلاّ مرغما من طرف الاستعماريين وبعد أن استنفذ كل الوسائل السلمية لاسترجاع حريته واستقلاله ، وما خرافة الجزائر الفرنسية وما أسطورة الاندماج إلا ثمرات سياسة القوة والعنف…
إن الجزائر ليست فرنسا ، وإن الشعب الجزائري ليس فرنسيا ، وإن محاولة فرنسا الجزائر عملية عقيمة وجريمة حكم عليها ميثاق الأمم المتحدة …إن الجزائر المكافحة لتتوجّه بالشكر إلى كل الدول التي إجتمعت في مؤتمر باندونغ ، كما تؤكِّد لها إعترافها بالجميل لما تلقاه منها من عون مادي وسند أدبي…أما الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية فهي مستعدة للمفاوضة …ولقد سجلت الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية منذ نشأتها بكل إغتباط عدَّة إعترافات من بعض الدول هي تقدم لها الشكر الجزيل على ذلك ، وهناك دول أخرى ستعترف بها في المستقبل…
وفي ختام هذا التصريح نريد أن نذكر بأن استمرار الحرب في الجزائر يشكل تهديدا دائما للسلام العالمي ، ونحن نهيب بالجميع أفرادا وحكومات ليضموا جهودهم لجهودنا من أجل وضع حد لهذه الحرب التي هي محاولة إحتلال جديد …
و إننا نأمل أملا حارا أن يسمع هذا النداء.
السيد فرحات عباس