كانت زاوية سيدي أمحمد بن علي يقيم بها نحو 300 ثلاثمائة طالب علم، يدرسون ويتعلمون عن شيخهم وأستاذهم سيدي أمحمد بن علي، كان يقدم لهم دروسا في النحو والصرف والمنطق وعلوم الشريعة الإسلامية والتوحيد والعروض، وقد كسا علم التصوف بهجة وطلاوة، كما كان بارعا في تفسير القرآن العظيم ومن كراماته أنه قتل في ليلة وقف فيها على سورة الإسراء "
سبحان الذي أسرى بعبده من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى" ومن بين الطلبة الذين كانوا يدرسون ويتعلمون بزاويته والتي كانت عبارة عن كلية للشريعة الإسلامية آنذاك أقول من بين الطلبة الدارسين:
- شقيقه سيدي بواعلي.
- والسيد سعيد قدورة مفتي الجزائر فيما بعد، والذي رثى أستاذه سيدي أمحمد بن علي بعد قتله بقصيدة طويلة .
- ومن بين الطلبة السيد علي مبارك دفين القليعة.
- والسيد يحي من ناحية تنس.
كانت زاوية سيدي أمحمد بن علي مأوى الطلبة ومركز للفتوى ومصدر للعلم... فكان يقصدها الناس من كل حدب وصوب، تأتيها الأفواج من الشرق والغرب والجنوب.
لقد استفتاه مفتي الجزائر العاصمة السيد المطماطي رحمه الله في أمر العبيد، حيث بعث له السؤال في أبيات شعرية، أجابه سيدي أمحمد بن علي بنفس الطريقة ...
فسيدي أمحمد بن علي كان وحيد دهره وفريد عصره خصوصا على مستوى قارة إفريقيا وبالأخص في العلوم الإسلامية، كان يشبه الإمام مالك رضي الله عنه، متشددا لا يتسامح بالتلاعب أو غض النظر عن المسائل الدينية.
عاش رحمه الله عصر الانحطاط وعصر الحروب الصليبية الإسبانية.
كما كان على اتصال وثيق بعلماء المشرق العربي الذين تعلم عنهم وكون علاقة دائمة الاتصال بهم، وكان ذلك أثناء ذهابه إلى الحج.
وكان هذا الاتصال وهذه الصرامة بالوقوف ضد كل من يريد التلاعب بأمور الدين الإسلامي، وكذلك شهرة زاويته، فهذه الأشياء كلها جعلته محط انتباه الأعداء وجعلت الباي التركي المقيم بمازونة غرب مجاجة حوالي 40 أربعين ميلا جعلته يخشى على منصبه وكرسيه فدبر له مكيدة وقتله، وكان سيدي أمحمد بن علي شعر بذلك فألف قصيدة توسل فيها إلى الله من الحاسدين والمبغضين مطلعها:
أفوض أمري للذي فطر السما
ويقول الحاج الطيب بن حراث مفتش التربية والتكوين بالوزارة حفظه الله: كان الباي ومساعده بنشاغا متلازمان بمازونة، ويحكي أن الحجاج العائدين من مكة المكرمة أهدوا خنجرين مرصعين بالذهب، واحدا إلى الباي والثاني لبنشاغا جاؤوا بهما من مكة المكرمة تبركا، وبعد مدة أخفى الباي التركي خنجره وادعى أنه سرق منه، وطلب من بنشاغا أن يعطيه خنجره.
ملاحظة: كان الباي قد علق خنجره بقاعة الجلسات ليراه الناس، ثم أخفاه، كان قصده إلصاق التهمة ببنشاغا وتبرئة نفسه، ثم بعث إلى سيدي أمحمد بن علي يستفتيه بالزواج من زوجة أبيه التي عقد عليها أبوه ولم يدخل بها، ويقال أنه استفتى بعض العلماء قبل استفتاء سيدي أمحمد بن علي وهذه حيلة كذلك، فمنهم من اعتذر بأنه جاهل للمسألة، ومنهم من أحلها له تقربا ومنهم من وجهه إلى سيدي أمحمد بن علي، ولكن الجواب من سيدي أمحمد بن علي كان صارما:"
هي أمك، هي أمك، هي أمك" الباي كان يعلم أن سيدي أمحمد بن علي لن يحلل حراما، فبعث له شبانا وكأنهم طلاب علم، وفي منتصف الليل وهو يتهجد ويقوم الليل دخلوا عليه وذبحوه، ثم فروا هاربين تاركين الخنجر بنفس المكان ليقول الناس أن القاتل هو بنشاغا وهذا خنجره.
ويقال أن الداي التركي بالجزائر العاصمة أخذ بثأر الولي الصالح سيدd أمحمد بن علي وقتل الباي والمنفذين للعملية.
وسيدي أمحمد بن علي كما كان مربيا ومعلما كان مؤلفا، فقد ألف عدة كتب في شتى الفنون، وعدة قصائد شعرية، خصوصا في النحو فألف كتابا في النحو وهو شعر وكذلك شقيقه وخليفته في التدريس بعد قتله وهو سيدي بواعلي رضي الله عنهم، ألف سيدي بواعلي كذلك عدة كتب وكلها ضاعت كما ضاعت مؤلفات سيدي أمحمد بن علي ولم يبق منها إلا القليل نسمع به في الجزائر العاصمة وشرشال.
وسبب ضياعها الإستعمار الفرنسي الذي أحرق كل شيء وحتى العباد، وكذلك أحفاد سيدي أمحمد بن علي وسيدي بواعلي ساهموا في ضياع مؤلفات أجدادهم عن طريق الإهمال.
كان سيدي عبد الرحمن بن أمحمد بن علي، قد جمع مؤلفات أبيه وعمه سيدي بواعلي ولكن الأحفاد أهوتهم الدنيا البخسة الرخيصة وراحوا يجرون وراءها ويلهثون وراء جمع الأموال والانغماس في الملذات والشهوات، وهكذا غطت مجاجة سحابة سوداء مظلمة واختفى نورها ورغم ما قام به سيدي هني والد القاضي ورغم ما بذله الشيخ بن عشيط وسيدي الجيلالي بن منور والشيخ سي قدور بالشاوي وغيرهم كثيرون، لكن سنة الله في الحياة تارة شمس ونور وتارة غيوم وظلمات ، وأخيرا ها هو نور مجاجة بدأ يسطع من جديد وهاهم أبناؤها عادوا إلى الطريق المستقيم التي رسمها آباؤهم وأجدادهم طريق العلم وطريق الفلاح النقي والعمل الصالح.
أملنا كبير في أبنائنا وأحفادنا وظننا لن يخيب.
ستعود مجاجة كما كانت وسينتشر العلم والنور ويختفي الجهل والظلام بحول الله.
يقال: أن سيدي محمد المجاور للمدينة المنورة مدح سيدي أمحمد بن علي بقصيدة طويلة مطلعها:
إن رمت نيل الرضا مع غاية الأمل ** زر قبر قطب الورى محمد بن علي
فذلك غوث مجاجة به انتشرت ** أنوارها فغدت كالشمس في الحمل
من زاره بخلوص النية انبجست ** من صدره حكم لم تبد للأول
إلى أن قال:
إن نجليك الكرام بهم ** توسل لك إذ هم نخبة الملل
ويقال: أن سيدي أمحمد بن علي ذهب إلى الصحراء بناحية ورقلة، وكون زاوية خدامها عرب سيدي أسعيد الشاذلية والقادرية، ثم عاد إلى مجاجة ولازمها إلى أن استشهد عام 1008 هـ، وزياد على العلم والنور الذي عم البلاد وأسعد العباد بفضل أولئك المجاهدين الذين ضحوا بالنفس لإعلاء كلمة الله والذود عن الوطن فقد كان الجهاد متواصلا ضد الإستعمار الفرنسي.
فبعد جهاد سيدي علي أبهلول وسيدي أمحمد بن علي وسيدي بواعلي خلفهم أحفادهم مثل المناضل الحاج أمحمد بن الحاج والسيد أحمد بن عبد الرحمن والحاج البواعلي البلاحجي الذي رابط بجيوشه بعدة أماكن من مجاجة بعين القاضي، عندما كانوا يراقبون العدو الفرنسي من هناك إلى أم الدروع والشلف ولم يتخل الشعب المجاجي عن الدفاع عن الوطن ومقاومة الإستعمار.
هكذا كانت مجاجة الركيزة القوية في تدعيم ثورة 1954 م أما قبل فالتاريخ يشهد قصة حوش الزراراقة الذي استشهد فيه المئات من جيش الأمير عبد القادر الجزائري حتى صار الدم الزكي يخرج من قنوات الحوش رحمهم الله آمين .