انقل اليوم لكم أحد النصوص التاريخية من "تاريخ بن خلدون" هذا النص الذي نستجلي منه كثيرا من الحقائق حول قبيلة سنجاس وأردت قبل أن أعرض عليكم النص أن أعطيكم زبدة ما فيه من الحقائق التاريخية:
1- أن قبيلة سنجاس بطن من أكبر بطون قبيلة مغراوة، فكانت أوسع القبائل وأكثرهم عددا.
2- قبيلة سنجاس منتشرة في كافة المغارب تونس والجزائر والمغرب، ومن بطون سنجاس بشلف بنو غيار.
3- شاركت قبيلة سنجاس في فتنة وقعت بين زناتة وصنهاجة حول رئاسة البربر وبلاد المغرب، واشتهروا حينها بالافساد وسفك الدماء .
4- ان العرب الهلاليين تغلبوا على سنجاس.
5- كان مذهب قبيلة سنجاس هو مذهب الخوارج.
والآن إلى نص ابن خلدون وربما تجدون في ثنايه معلومات أكثر مما وجدت:
الخبر عن بني سنجاس وريغة والأغواط وبني ورا من قبائل مغراوة .
"من أهل الطبقة الأولى وتصاريف أحوالهم هذه البطون الأربعة من بطون مغراوة وقد زعم بعض الناس أنهم من بطون زناتة غير مغراوة.أخبرني بذلك الثقة عن إبراهيم بن عبد الله التيمزوغتي قال وهو نسابة زناتة لعهده: ولم تزل هذه البطون الأربعة من أوسع بطون مغراوة.
فأما بنو سنجاس: فلهم مواطن في كل عمل من إفريقية والمغربين فمنهم قبلة المغرب الأوسط بجبل راشد وجبل كريكرة وبعمل الزاب وبعمل شلف.ومن بطونهم بنو غيار ببلاد شلف أيضاً وبنو غيار بعمل قسنطينة.وكان بنو سنجاس هؤلاء من أوسع القبائل وأكثرهم عدداً وكان لهم في فتنة زناتة وصنهاجة آثار بإفريقية والمغرب وأكثرها في إفساد السبيل والعيث في المدن ونازلوا قفصة سنة أربع عشرة وخمسماية بعد أن عاثوا بجهات القصر وقتلوا من وجدوا هنالك من عسكر ملكاتة وخرجت إليهم حامية قفصة فأثخنوا فيهم ثم كثر فسادهم وسرح السلطان قائده محمد بن أبي العرب في العساكر إلى بلاد الجريد فشردهم عنها وأصلح السابلة.ثم عاثوا إلى مثلها سنة خمس عشرة فأوقع بهم قائد بلاد الجريد وأثخن فيهم بالقتل وحمل رؤوسهم إلى القيروان فعظم الفتح فيهم.ولم تزل الدولة تتبعهم بالقتل والإثخان إلى أن خضدوا من شوكتهم.وجاء العرب الهلاليون وغلبوا على الضواحي كل من كان بها من صنهاجة وزناتة وتحيز فلهم إلى الحصون والمعاقل وضربت عليهم المغارم إلا ما كان ببلاد القفر مثل جبل راشد فإنهم لبعدهم عن منازل الملك لا يعطون مغرماً إلا أنهم غلب عليهم هنالك العمور من بطون الهلاليين ونزلوا معهم وملكوا عليهم أمرهم وصاروا لهم فيئة.ومن بني سنجاس من نزل بالزاب وهم لهذا العهد أهل مغارم لمن غلب على ثغورهم من مشايخهم.وأما من نزل منهم ببلاد شلف ونواحي قسنطينة فهم لهذا العهد أهل مغارم الدول وكان دينهم جميعاً الخارجية على سنن زناتة في الطبقة الأولى ومن بقي اليوم منهم بالزاب فعلى ذلك.ومن بني سنجاس هؤلاء بأرض المشنتل ما بين الزاب وجبل راشد أوطنوا جباله في جوار غمرة وصاروا عند تغلب الهلاليين في ملكهم يقبضون الأتاوة منهم.ونزل معهم لهذا العهد السحارى من بطون عروة من زغبة وغلبوهم على أمرهم وأصاروهم خولا.
وأما بنو ريغة: فكانوا أحياء متعددة،ولما افترق أمر زناتة تحيز منهم إلى جبل عياض وما إليه من البسيط إلى نقاوس وأقاموا في قياطنهم فمن كان بجبل عياض منهم أهل المغارم لأمراء عياض يقبضونها منهم للدولة الغالبة ببجاية وأما من كان ببسيط نقاوس فهم في أقطاع العرب لهذا العهد.ونزل أيضاً الكثير منهم ما بين قصور الزاب وواركلا فاختطوا قرى كثيرة في عدوة واد ينحدر من الغرب إلى الشرق ويشتمل على المصر الكبير والقرية المتوسطة والأطم قد رف عليها الشجر ونضدت حفافيفها النخيل وانساحت خلالها المياه وزهت بنابعها الصحراء وكثر في قصورها العمران من ريغة هؤلاء وبهم تعرف لهذا العهد وهم أكثرها ومن بني سنجاس وبني يفرن وغيرهم من قبائل زناتة.وتفرقت جماعتهم للتنازع في الرياسة فاستقلت كل طائفة منهم بقصور منها أو بواحد.ولقد كانت فيما يقال أكثر من هذا العدد أضعافاً وأن ابن غانية المسوفي حين كان يجلب على بلاد إفريقية والمغرب في فتنه مع الموحدين خرب عمرانها واجتث شجرها وغور مياهها ويشهد لذلك أثر العمران بها في أطلال الديار ورسوم البناء وأعجاز النخل المنقعر.وكان هذا العمل يرجع في أول الدولة الحفصية لعامل الزاب وكان من الموحدين وينزل بسكرة يتردد ما بينها وبين مقرة.وكان من أعماله قصور واركلة أيضاً.ولما فتك المستنصر بمشيخة الدواودة كما قلناه في أخباره وقتلوا بعد ذلك عامل الزاب ابن عتو من مشيخة الموحدين وغلبوا ضواحي الزاب وريغة وواركلة وأقطعتهم إياها الدول بعد ذلك فصارت في إقطاعهم.ثم عقد صاحب بجاية بعد ذلك على العمل كله لمنصور بن مزني واستقر في عقبه.فربما يسومون بعض الأحيان أهل تلك القصور الغرم للسلطان بما كان من الأمر القديم ويعسكر عليهم في ذلك كتائب من رجالة الزاب وخيالة العرب ويبذرق عليها الأمر الدواوة ثم يقاسمهم فيما يمتريه منهم.وأكبر هذه الأمصار تسمى تقرت مصر مستبحر العمران بدوي الأحوال كثير المياه والنخل ورياسته في بني يوسف بن عبد الله كانت لعبيد الله بن يوسف ثم لابنه داود ثم لأخيه يوسف بن عبيد الله.وتغلب على واركلة من يد أي بكر بن موسى أزمان حداثته وأضافها إلى عمله.ثم هلك وصار أمر تقرت لأخيه مسعود بن عبيد الله ثم لابنه حسن بن مسعود ثم لابنه أحمد ين حسن شيخهما لهذا العهد.وبنو يوسف بن عبيد الله هؤلاء من ريغة ويقال إنهم من سنجاس.وفي أهل تلك الأمصار من مذاهب الخوارج وفرقهم كثير وأكثرهم على دين العزابة ومنهم النكاريه أقاموا على انتحال هذه الخارجية لبعدهم عن منال الأحكام.ثم بعد مدينة تقرت بلد تماسين وهي دونها في العمران والخطة ورياسته لبني إبراهيم من ريغة وسائر أمصارهم كذلك: كل وأما لقواط وهم فخذ من مغراوة أيضاً فهم في نواحي الصحراء ما بين الزاب وجبل راشد ولهم هنالك قصر مشهور بهم فيه فريق من أعقابهم على سغب من العيش لتوغله في القفر وهم مشهورون بالنجدة والامتناع من العرب وبينهم وبين الدوسن أقصى عمل الزاب مرحلتان وتختلف قصودهم إليه لتحصيل المرافق منه.والله يخلق ما يشاء ويختار.
وأما بنو ورا: فهم فخذ مغراوة أيضاً ويقال من زناتة وهم متشعبون ومفترقون بنواحي المغرب: فمنهم بناحية مراكش والسوس ومنهم ببلاد شلف ومنهم بناحية قسنطينة.ولم يزالوا على حالهم منذ انقراض زناتة الأولين وهم لهذا العهد أهل مغارم وعسكرة مع الدول.وأكثر الذين كانوا بمراكش قد انتقل رؤساؤهم إلى ناحية شلف نقلهم يوسف بن يعقوب سلطان بني مرين في أول هذه الماية الثامنة فلما ارتاب بأمرهم في تلك الناحية وخشي من فسادهم وعيثهم فنقلهم في عسكر إلى موطن شلف لحمايته فنزلوا به.ولما ارتحل بنو مرين بعد مهلك يوسف بن يعقوب أقاموا ببلاد شلف فأعقابهم به لهذا العهد وأحوالهم جميعاً في كل قطر متقاربة في المغرم والعسكرة مع السلطان.ولله الخلق والأمر جميعاً.سبحانه لا إله إلا هو الملك العظيم."ا.هـ كلام ابن خلدون.