مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، تبارك وتعالى، له الكمال وحده، ولا شريك له، والصلاة والسلام على سيدنا محمد نبيه ورسوله الأمين، وعلى سائر الأنبياء والمرسلين وبعد: أقدم هذه النسخة لتبقى ذاكرة أجيال، وأملي أن ينتفع بها أبنائي وزملائي والقراء الأفاضل، الذين درسوا على الشيخ محمد بن صولال رحمه الله، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وأنيب. الشلف 30 أكتوبر 1999 على الساعة الثانية والنصف مساءا كانت وفاة المرحوم.
ولد الشيخ محمد بن قدور بن صولال بلايطي في منطقة أولاد فارس بقعة أولاد هني بتاريخ 10 مارس 1906م.
كرس حياته في طلب العلم والمعرفة، رغم أنه نشأ في بيئة متوسطة وليست غنية.
كان يقرأ القرآن في مسقط رأسه في جامع الشيخ سي محمد بن الشيخ في أولاد فارس، كانت له قابلية وذاكرة في الحفظ وهذا بشهادة بعض زملاء الدرب، حيث كان يكتب مرتين في اليوم، وكان هناك تنافس كبير في الحفظ.
حيث حفظ القرآن في هذا المسجد المتواضع، رغم تلك القساوة الإستعمارية وخاصة إبان الإستعمار والفقر المزري للغاية.
ثم طلب من والده على أن يذهب إلى مدينة خميس مليانة ليتم دراسته، إلا أن والده شجعه على الذهاب رغم المعاناة القاسية والإستعمار الذي كان يمنع الدراسة بالنسبة للغة العربية، وعن هؤلاء المشايخ الذين كان يطلق عليهم الإستعمار الفرنسي : les marabou.
إلا أن الشيخ انتقل إلى خميس مليانة ودرس عند سي محمد بن القاسم، وبعدها مباشرة إنتقل إلى زاوية سي الحاج عبد الله في بني راشد حيث درس هناك بعض العلوم، أذكر على حسب الحصر الفقه، علم الميراث، والنحو، وهذه الزاوية كانت في بني راشد في منطقة الهرهور.
وبعدما أتم دراسته هناك وكان من الطلبة الأوائل الذين كانت لهم القدرة على الإستيعاب بكثرة، حيث أجازه الشيخ سي الحاج عبد الله تعليم هذه المواد التي بدأ يدرسها بكل دقة وشمولية.
ثم عاد إلى ولاية الأصنام التي كانت تسمى في تلك الحقبة الإستعمارية أريو فيل ـ orienville.
حيث بدأ يدرس عند الشيخ سي الحاج الجيلاني بن عبد الحاكم في مجاجة وبعدها مباشرة توقف عن التدريس، حيث أخذه الإستعمار الفرنسي وجنده بالقوة في الحرب العالمية سنة 1939 إلى 1945 وهناك كان بوعي الشباب الجزائري الذين أخذوا بالقوة بعدم المحاربة مع الإستعمار ولأن الإستعمار لا يريد خيرا للبلاد ولا للعباد.
وهناك وقع له حادث وهذا الحادث كان بالنسبة له حادث مدبر، حيث انفجرت قنبلة في المكان الذي كان يدرس فيه لبضعة زملاء جزائريين حيث أصيب في يده اليمنى ورجله اليسرى بشظايا هاته القنبلة ومات بعض الزملاء الذين كانوا معه.
ثم أرجع به من فرنسا إلى الجزائر كشخص معوق بنسبة 75 بالمئة، وعندما رجع إلى الجزائر شد الرحال من مسقط رأسه إلى مدينة الأصنام وبالضبط في بقعة سحنون حيث اشتغل كمدرس في الفقه، ومبادئ النحو وحفظ القرآن لبعض الطلبة ولا ننسى أنه كان مجاهدا في السرية لأن جل الطلبة الذين كانوا يدرسون كان مجاهدين وفي نفس الوقت طلبة حتى لا يتفطن لهم أحد.
رغم المراقبة المستمرة التي كان يراقبها له الإستعمار وبعض من الخونة الذين كانوا يسكنون في بقعة سحنون، إلا أنه جاهد وكافح بكل ما يملك فكانت عنده يكمن الإجتماع، وكان عنده تجمع التبرعات، وكان هو المتبرع بدواته الذي كانت تمنحه له السلطات الإستعمارية بسبب إصابته في يده وذراعه ورجله.
و لا ننسى أن جل إخوته مجاهدون بعضهم من استشهد وبعضهم من هو على قيد الحياة.
وفي سنة 62 طلب منه أن يضع بطاقة المجاهد رفض لأنه جاهد بما يملك في سبيل هذا الوطن من أجل الإستقلال في سبيل الله، وفي سبيل هذا الشعب الأبي الذي كان يحبه ويقدم له دائما ما يملك.
حيث مكث في مدينة الأصنام وقام بالتدريس، وفي سنة 1962 طلب منه أن يشغل منصب قاضي في محكمة الشلف، حيث شغل هذا المنصب مع القاضي الجيلالي بالكاتب.
إلا أنه رفض والسبب يعود للحقرة وعدم تطبيق أحكام الشريعة السمحاء، فكان الظلم طاغيا، فرفض هذا المنصب رغم التهديد بالقتل إلا أنه فضل أن يموت دون أن يحكم بما يغضب الله، حيث حكم عليه غيابيا برفض تطبيق أحكام العدالة وبعدها اشتغل سي الجيلالي بالكاتب وحده قاضيا.
وتفرغ للتدريس في بقعة سحنون حيث درس كثيرا وتعلم عليه الكثيرون من الطلبة بعضهم من انتقل إلى رحمة الله في الثورة التحريرية وبعضهم لا زال على قيد الحياة.
علم الكثير من الطلبة وحارب المستعمر بماله وعلمه، شجع على محاربة الإستعمار جمع المال والدواء في حلقته التي كان يدرس فيها لم يبخل لا بالمال ولا بالعلم ولا بالدواء الذي كان يستعمله المرحوم في جسمه.
انتقل إلى رحمة الله وكأنها شمعة انطفأت وهكذا يموت العلماء في بلاد الجزائر بلد أكثر من مليون ونصف شهيد بلد الأحرار.
تعلم على المرحوم بعض الطلبة الذين مارسوا وظائف سامية في الدولة والعدل والأمن والدرك والتسيير الإداري وفي هرم السلطة وفي التعليم وفي الشؤون الدينية.
رحم الله العالم وأسكنه فسيح جناته إنا لله وإنا إليه راجعون، وتعلم عليه بعض مشايخ الأصنام سأذكر أسمائهم على التوالي: شهادة الشيخ حجوط المتقاعد بمدينة الشلف، والشيخ عبد الكريم الطاهر الموجود حاليا كإمام في مسجد الغاز.
وبعض الأئمة من الونشريس، أذكر على سبيل الحصر هناد محمد بن فلاق، بالعالية بوزيان، ابن رابح، نقاب محمد ...إلخ. من طلبة منطقة الأرجام أذكر بعض المشايخ في علم الفقه بربري محمد مخطار، والشيخ طرفاوي محمد، والشيخ حيرش أحمد، والشيخ شي المختار المباني.
مدينة تنس: بعض الطلبة الطاهر بن طالب، الشيخ بن عيسى جلول، الشيخ بن شهدة محمد بن أعمر ، الشيخ يونسي وكلهم متقاعدين في الشؤون الدينية.
في مسقط رأسه الأصنام: أذكر بعض المشايخ: حاج الشريف النعاس رحمه الله، عبد المرايم رحمه الله ، عبد الكريم الطاهر، محمد يونسي سي صالح ، الخميسي عبد القادر ، بن سونة أحمد، وكلهم كبار في السن، فماذا عسى أن نبحث عن طلبة السبعينات، والثمانينات، فماذا أقول سوى ما قاله تلميذه المتقاعد " حجوط محمد" الذي قال في رثائه:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي توحدا *** في ذاته وبالبقا تفردا
وكتب الفناء المسرمدا *** على من سواه وللآجال قيدا
...هذا هو فقيدنا أيها الأحبة في الدين والعلم إنه رجل كرس حياته لطلبة العلم وتعليمه، قرأ القرآن في مسقط راسه لقد تعلمت عليه في جزء منها مع غيري من الطلبة، ومنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، والكل يشهد له بالخير وأنه ما تعلم أو علم العلم ليصيب به غرضا من الدنيا..
ولهذا فإننا ندعوا إلى شيخنا بالعزاء، فإنما نسأل الله أن يعظم أجرنا ويلهمنا الصبر والسلوان، ويخلفنا خيرا وعلما مما أصابنا، اللهم اغفر لشيخنا فقيه ولاية الشلف وارفع درجته في المهديين وأخلفه في عقبة الغابرين،...