الشيخ فرحات بن الدراجي في الأصنام

سير الجمعية وأعمالها

وفود جمعية العلماء في القطر

الشيخ فرحات بن الدراجي في الأصنام FarhatDeradji-medium;init:

من أهم الأمور التي قررتها جمعية العلماء منذ تأسيسها، ونفذتها بالفعل، إيفاد وفود من شيوخ إدارتها يتجولون في بلدان القطر في ظرف كل سنة، لتعريف الأمة بالجمعية وتأسيس شعب تمثل الجمعية في أشهر بلدان القطر، وقد قررت هذا الأمر في ظرف هذه السنة، وأعلنت عنه منذ أشهر في جريدة البصائر الغراء، ولكن سفر الوفد إلى باريس والمحنة التي حلت بالأمة في شخص زعيمها الأستاذ الطيب العقبي وانهماك بعض رجال الجمعية في معالجة هذه المحنة التي دبرت للقضاء عليها حال دون تنجيز الوعود وإيفاد الوفود، فرأت الجمعية ـ وحسنا ما رأت ـ أنه وإن فات إيفاد الوفود فلن يفوت إيفاد البعض من أعضائها، فاختارت أفرادا منها وعهدت إليهم بالتجول في العمالات الثلاث للاتصال بأنصار الجمعية وتفقد شعبها وتأسيس ما لم يكن موجودا منها، فعينت الشيخ محمد خير الدين ( مراقب الجمعية ) لعدة بلدان من عمالة قسنطينة، وعينت الشيخ محمد الصالح بن
عتيق لبلاد القبائل، وعينت مصطفى بان حلوش لبعض البلدان من عمال وهران، وعينت الشيخ حمزة بوكوشة وكاتب هذه الأسطر إلى عمالة الجزائر، فعينت الشيخ حمزة لما يلي من البلدان: بوسعادة، سور الغزلان، سيدي عيسى، المسيلة، عين بسام ، البويرة، تيزوزو، دلس، برج أم نائل، وعين كاتب هذه الأسطر لما يأتي من البلدان:بوفاريك، البليدة، العفرون، مليانة، الأصنام، تنس، القليعة، المدية، البرواقية، قصر البخاري، شرشال، وقد توجه هؤلاء الشيخ إلى الجهات التي عينت لهم وأخبارهم وإن كانت منقطعة عنا فإن المحقق أنهم قاموا بمهماتهم كما يجب، أما كاتب هذه الأسطر فقد ابتدأ رحلته من البليدة فبوفاريك فمليانة فالأصنام، وسيتم بقية البلدان التي عينت له في ظرف هذا الأسبوع إن يسر الله الأسباب.

الشيخ فرحات بن الدراجي في الأصنام HamzaBoukoucha-medium;init:

الشيخ فرحات بن الدراجي في الأصنام Kaireddinejeune-medium;init:

ولا يفوتني هنا أن أذكر على سبيل الإجمال الحفاوة التي اقتبلنا بها، والإكرامالذي شاهدناه من أنصار الجمعية في كل بلد حللنا به وأنا أرى أن إكرامنا أكرام لجمعية، وإكبارنا إكبار لها ودليل على مكانتها من نفس الأمة.

البليدة:
ففي البليدة اقتبلنا جماعة " نادي التقدم " اقتبالا يلائم مكانة جمعية العلماء، وقد أبلغتهم رسالة الجمعية، فوعدوا بالقيام بها كما ينبغي، ثم اجتمعت بالسيد ( يوسف بن مرابط ) وببعض أعضاء شعبة الجمعية كالسيد ( عبد الرحمن الحلواجي ) والسيد ( علي بن نواس ) والسيد ( علي الزواق ) والسيد ( محمد ابن اسماعيل ) وأفضيت إليهم بمهمة الجمعية فالتزموا القيام بها بقدر ما في وسعهم، وكانت ضيافتنا عند الشاب الناهض السيد حناشي.
والبليدة تروق زائرها من سائر النواحي، ولا عيب يجده فيها إلا ما قد يبدو من انقسام وحدتها.

بوفاريك:
وفي بوفاريك قصدت السيد ( الحاج محمد حميدو ) التاجر ببوفاريك والعضو بشعبة الجمعية، فوجدت أن شعبة بوفاريك لم تعمل شيئا في ظرف السنة الماضية، ولذلك سببان الأول أن حركة الإصلاح ببوفاريك بطيئة جدا، والثاني: انتقال رئيس الشعبة السابق من بوفاريك، فرأيت أن المصلحة تقتضي جعل السيد الحاج رئيسا للشعبة عوضا عن الرئيس السابق، ففعلت ولما لم يكن عنده شيء من مجلدات الجمعية فقد كتبت إلى الأستاذ الميلي وطلبت منه أن يسرع إليه ببعث مجلدين من مقتطعات الجمعية ليوزعهما قبل موعد الإجتماع العام للجمعية، ومن بوفاريك توجهنا إلى مليانة.

مليانة:
وقد اقتبلنا منها جماعة من الأعيان والنواب مثل صديقنا الشاب الناهض السيد ( أحمد بن بليدية ) والشيخ ( بوزار ابن حورة ) والشيخ ( عبد الرحمن حماد ( والشاب الحازم السيد ( الطاهر بن العربي ) والنائبين البلديين السيد بوهراوة والسيد محمد عبد الوهاب، والقائد السيد بوزار بن الحاج حمو وكثير غيرهم، ومن هؤلاء النواب والأعيان أسسنا شعبة الجمعية وأسندت رئاستها إلى رجل الإصلاح بمليانة الشيخ ( بوزار بن حورة ) وقد كانت ضيافتنا عنده وعند الشيخ ( عبد الرحمن حماد ) وفي مليانة تطلع إلى العربية ورغبة في الإصلاح غير أن ذلك ـ فيما يظهر ـ لم يتجاوز دائرة الأقوال والتمنيات فنرجو من أهالي مليانة أن يتداركوا هذا النقص فيعيروا جانبا وافرا من عنايتهم إلى العربية ويضربوا بسهم وافر في الحركة الإصلاحية.

الأصنام:
أما الأصنام فقد وصلناها على الساعة الحادية عشرة ليلا، وقد وجدنا بالمحطة وفدا عظيما في اقتبالنا يتألف من الأعيان والتجار لأنهم كانوا على علم
بقدومنا، وكان التعب في تلك الليلة قد أخذ منا مأخذه، فأسرعنا إلى النزل للاستراحة واتفقنا مع الجماعة على أن يكون الإجتماع صباحا.

الشيخ فرحات بن الدراجي في الأصنام Naaimi-medium;init:

ومن الغد اجتمعنا بشباب الأصنام وشيوخها وأبلغناهم الأمانة التي حملتنا إياها جمعية العلماء فرحبوا بالفكرة والتزموا القيام بتنفيذها، ومن هؤلاء الشبان والشيوخ أسسنا شعبة الجمعية وأسندت رئاستها إلى محاضر " نادي الإصلاح " بالأصنام الشيخ " النعيمي بن أحمد الجلالي ".

أما ضيافتنا فقد كانت عند " آل نوران " الكرام.

وفي الأصنام نهضة صالحة، وشباب مثقف ثقافة عالية، ولهؤلاء الشبان الفضل الأكبر على الحركة الفكرية والإصلاحية الموجودة في الأصنام، فهم الذين أسسوا " نادي الإصلاح " وفيه تلقى الدروس والمحاضرات باللغتين العربية والفرنسية في كل أسبوع، ولا عيب يجده زائر الأصنام فيها إلا بعد شبابها عن الثقافة العربية، إلا من رحم ربك ـ فنرجو من رجال الأصنام أن يتلافوا هذا النقص في أبنائهم في المستقبل، فينشئووهم جامعين بين الثقافتين العربية والفرنسية، فإن من التقصير من أبناء الشرق والإسلام أن ينشئوا غرباء عن لغتهم وتعاليم دينهم الحنيف.

وقد كان من حسن الحظ والمصادفة أن كان رفيقي في هذه الجولة هو رفيق أستاذنا العقبي في سجن بربروس المصلح المخلص للإصلاح والمصلحين السيد ( عباس التركي محمد وعلي ).
ولا يفوتني في الختام أن أوجه بلسان الجمعية تشكراتي القلبية إلى السادة الذين أكرموا وفادتنا وقاموا بواجبات الجمعية نحوهم.

وبعد:
فهذه كلمة قصيرة عن جولتي إلى هذه البلدان الأربعة كتبتها وأنا على جناح الفر لإتمام جولتي ونرجو أن لا يؤاخذنا السادة الذين لم نذكر أسماءهم سهوا أو اختصارا.

الجزائر ( فرحات بن الدراجي )