شكرا أخي عدة على طرح هذا الموضوع القيم الذي أعطانا لمحة ولو مقتضبة عن ولاية تيارت العريقة والعظيمة عاصمة الرستميين وإثراء للموضوع ارتأيت أن أنقل لمحة أخرى عن تيارت من كتاب "
الروض المعطار في خبر الأقطار " لمؤلفه أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد المنعم الحِميرى (المتوفى : 900هـ) قال:
تاهرت :مدينة مشهورة من مدن الغرب الأوسط على طريق المسيلة من تلمسان، وكانت تاهرت فيما سلف مدينتين كبيرتين إحداهما قديمة والأخرى محدثة، فالقديمة منهما ذات سور على قنة جبل ليس بالعالي، وبها ناس وجمل من البرابر ولهم تجارات وبضائع وأسواق عامرة وبأرضها مزارع وضياع جمة وبها من نتاج البراذين والخيل كل شيء حسن، وبها البقر والغنم كثير جداً وكذلك العسل والسمن وسائر غلاتها كثيرة، وبها مياه متدفقة وعيون جارية تدخل أكثر ديارهم ولهم على هذه المياه بساتين وأشجار تحمل ضروباً من الفواكه الحسنة، ولها سور صخري وبها قصبة منيعة مشرفة على سوقها المسماة
بالمعصومة.
وتاهرت في سفح جبل يسمى
قزول وعلى نهر كبير يأتيها من ناحية الغرب، ولها نهر آخر يجري من عيون يجتمع منه شرب أرضها وبساتينها، وسفرجلها لا نظير له حسناً وطعماً وشماً، ولها ثلاثة أبواب:
باب الصفا: وهو باب الأندلس.
وباب المنازل.
وباب المطاحن.
وهي شديدة البرد كثيرة الغيوم والثلج، قال
بكر بن حماد وكان ثقة مأموناً حافظاً للحديث يصف برد تاهرت:
ما أصعب البرد وريعانه ... وأطرف الشمس بتاهرت
تبدو من الغيم إذا ما بدت ... كأنما تنشر من تحت
فنحن في بحر بلا لجة ... تجري بنا الريح على السمت
نفرح بالشمس إذا ما بدت ... كفرحة الذمي بالسبت
ونظر رجل من تاهرت إلى توقد الشمس بالحجاز فقال: "
احرقي ما شئت فوالله انك بتاهرت لذليلة".
وتاهرت الحديثة في قبليها لواتة وهوارة في قرارات، وبغربيها زواغة وبجوفيها مطماطة وزناتة ومكناسة، وفي شرقيها حصن هو تاهرت القديمة.
وكان صاحب تاهرت ميمون بن عبد الرحمن بن رستم بن بهرام، من ولد سابور ذي الأكتاف الفارسي، وكان ميمون اباضياً وكان يسلم عليه بالخلافة، وتعاقب مملكة تاهرت بنو ميمون وبنو إخوته إسماعيل وعبد الرحمن بن الرسمية إلى سنة ست وتسعين ومائتين، فوصل أبو عبد الله الشيعي إلى تاهرت فدخلها بالأمان ثم قتل ممن فيها من الرسمية عدداً كثيراً وبعث برؤوسهم إلى أخيه أبي العباس وطيف بها في القيروان ونصبت على باب رقادة،
وملك بنو رستم تاهرت مائة وثلاثين سنة. وكان عبد الرحمن بن رستم خليفة لأبي الخطاب عبد الأعلى بن السمح بن عبيد بن حرملة على إفريقية، فلما قتل محمد بن الأشعث الخزاعي أبا الخطاب في صفر سنة أربع وأربعين ومائة هرب عبد الرحمن بأهله وما خف من ماله وترك القيروان، فاجتمعت إليه الاباضية واتفقوا على تقديمه وبنيان مدينة تجمعهم، فنزلوا موضع تاهرت اليوم وهو غيضة أشبة، ونزل عبد الرحمن منه موضعاً مربعاً لا شعراء فيه وأدركتهم صلاة الجمعة فصلى بهم هناك، فلما انقضت الصلاة ثارت صيحة شديدة على أسد ظهر في الشعراء فأخذ حياً وأتي به إلى الموضع الذي صلوا فيه وقتل هناك، فقال عبد الرحمن بن رستم:
هذا بلد لا يفارقه سفك دم ولا حرب أبداً، وانتدبوا من تلك الساعة فبنوا في ذلك الموضع مسجداً وقطعوا خشبه من تلك الشعراء فهو كذلك إلى اليوم، وهو مسجد جامعها وهو من أربع بلاطات.
وبتاهرت أسواق عامرة وحمامات كثيرة يسمى منها نحو اثني عشر حماماً، وحواليها من البرابر أمم كثيرة .
وفي سنة خمس وستمائة كانت وقعة تاهرت ليحيى بن إسحاق الميورقي على السيد أبي عمران موسى بن يوسف بن عبد المؤمن، فإنه لما فر من إفريقية أمام صاحبها الشيخ أبي محمد عبد الواحد بن الشيخ أبي حفص الموالي عليه الهزائم تمرس بجهة تلمسان، فكتب أبو محمد إلى أبي عمران بأن لا يعرض له فإنه في اتباعه بالقوم الذين دربوا على قتاله، فقال أولياء السيد: إن هذه لذلة عظيمة نقعد كالنساء في البيوت حتى يأخذه صاحب إفريقية من أيدينا، فخرج إليه السيد من تلمسان بمن اجتمع إليه وساروا إلى جهة تاهرت، فأقبل الميورقي حين أبعدوا من منازلهم بشرذمته التي هي بقايا الحتوف وطرائد السيوف، فحمل عليهم حملة فلم يثبتوا لها وقتل السيد في المعركة وأسر ولده وأقاربه وخواصه، وكان القتلى من عسكره ألفاً وسبعمائة، واحتوى الملثمون على ما أقال عثرتهم من نكبتهم، ورجعوا إلى إفريقية، ففك الأسرى وأخذ الغنائم صاحبها أبو محمد عبد الواحد من أيديهم على عادته، ولما خلت تلمسان من حكام لجهاتها ومصلح لما فسد من أحوالها اختير لها أبو زيد بن يوجان الهنتاتي الذي كان وزير المنصور يعقوب فهو الذي فتح باب الفتنة الآتية على دولتهم، فيالله ماذا فعل وما فعل به وصنع.ا.هـ
من كتاب: " الروض المعطار في خبر الأقطار"
تأليف: أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد المنعم الحِميرى (المتوفى : 900هـ)
تحقيق: إحسان عباس، طبعة مؤسسة ناصر للثقافة - بيروت - طبع على مطابع دار السراج،الطبعة الثانية سنة 1980م صفحة 226، 227.