ومضات من حياة الشيخ نعيم النعيمي
الشيخ نعيم بن أحمد رئيس شعبة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بمنطقة الأصنام ) الشلف حاليا ( في الفترة الممتدة ما بين سنوات 1935- 1939 و الذي زرع البذور الأولى للحركة الإصلاحية بالناحية هو العلامة المصلح والنسابة المحدث المعروف في الأوساط الثقافية والعلمية باسم الشيخ نعيم النعيمي. قام بتعليم التلاميذ بعدة مدارس حرة تابعة للجمعية في عدة نواحي من القطر الجزائري، كما قام بإلقاء دروس الوعظ و الإرشاد في مساجدها من أجل نشر الدين الصحيح و اللغة العربية و إتباع المبادئ التي سار عليها الشيخ عبد الحميد بن باديس و من جاء بعده.
مولده و تعليمه:
ولد الشيخ نعيم النعيمي سنـة1327هـ/ 1909م بمكان يسمى )الخماري( من بلدة البسباس التي تقع جنوب غرب مدينة سيدي خالد من ولاية بسكرة، وهو ينتسب إلى قبيلة أولاد زكري أحد فروع القبيلة الكبرى أولاد حركات من عرش أولاد نايل المتمركزين بالناحية، و الفروع الأخرى هي: قبيلة أولاد سليمان وأولاد خالد وأولاد رابح و أولاد رحمة و موطنهم بلدية الشعيبة وسيدي خالد و أولاد جلال و هي قبائل عربية مشهورة بالعلم و الكرم و الشهامة. ولهذا يضيف إلى إسمه أحيانا )الحركاتي(.
تعلم القرآن الكريم عن خاله الشيخ مصطفى بن الصحراوي في بلدة سيدي خالد، وأتم حفظه و هو ابن تسع سنين، كما قرأ القرآن الكريم وبعض المبادئ العلمية البسيطة عن الشيخ محمد بقيرة.
بعد حفظه للقرآن الكريم و إتقانه، شرع في حفظ المتون المتعددة كمتن ألفية السيوطي، وألفية ابن مالك في النحو، كما حفظ ألفية العراقي في السيرة و غيرها.
انتقل حوالي سنة 1919م إلى مدينة أولاد جلال التي تبعد عن مدينة سيدي خالد بـ07كم وانتسب إلى الزاوية المختارية لمدة أربع سنين، وقد تلقى العلم و الأدب عن المشايخ:
1) الشيخ الأديب العابد بن عبد الله السماتي وهو والد الشيخ محمد بن العابد الجلالي المعلم والأديب المشهور، مساعد الإمام ابن باديس وصاحب كتاب )تقويم الأخلاق( و)الأناشيد الإسلامية(.
2) الشيخ مصطفى بن قويدر الضرير.
3) الشيخ ابراهيم بن الساسي العوامر صاحب كتاب ) الصروف في تاريخ الصحراء و سوف(.
حوالي سنة 1924م قصد جامع الزيتونة المعمور في تونس و لكنه لم يمكث به إلا ستة أشهر، واضطر إلى العودة من حيث أتى لظروفه المادية الصعبة، لكنه و لتوسيع معارفه، قصد سنة 1926 إلى 1935م غرب الوطن متنقلا من مدينة إلى أخرى متتبعا بقايا المراكز الثقافية العلمية العتيقة بداية من بوسعادة و الهامل ثم الجلفة و مسعد و آفلو و السوقر و تيارت و معسكر و مستغانم و وهران و المدية و الأغواط ملتهما كل ما يقع في متناوله من كتب و ما يتلقاه من مشايخ و طلبة العلم، كما زاول مهنة الكتابة لدى بعض الموظفين مثل القضاة و الأعوان، ولتأثره بالحركة الإصلاحية، حضر سنة 1935 مؤتمر جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بالعاصمة، و عين فيه ممثلا للجمعية بمنطقة الأصنام ) الشلف حاليا (، حيث تولى التدريس في نادي الإصلاح بهذه المدينة بالإضافة إلى تولي الدعوة و ترأس شعبة جمعية العلماء بها سنة 1937م.
نشاطه العلمي و التربوي:
بعد اندلاع شرارة الحرب الكونية الثانية سنة 1939 و غلق مدارس الجمعية و نواديها من طرف السلطات الاستعمارية تم إبعاده نهائيا من الأصنام، فرجع إلى مسقط رأسه، ثم استقر مع عائلته بمدينة طولقة التي سبقته بالاستقرار بها منذ سنة واحدة، وانتصب للتدريس بمدرسة جمعية العلماء و التي كان مقرها بمسجد )رسوطة(، و قد بقي في مدينة طولقة أزيد من خمس سنوات إلى أن تم إبعاده بالقوة من طرف حاكم مكتب العرب العسكري ببسكرة رغم وقوف سكان طولقة معه في محنته،ومن تلامذته الشيخ أبو بكرجابر الجزائري و الأستاذ المحامي سليمان الصيد، فاستقر بمدينة سيدي خالد حيث عانى الأمرين من الحصار و الوحدة إلى غاية سنة 1944 حيث تمت دعوته من طرف شعبة جمعية العلماء بمدينة بسكرة برئاسة الشيخ عبد الرحمان البركاتي، وانتقل إليها وانتصب للتدريس في أحد المساجد الحرة) مسجد مصطفى بن رمضان( الذي تحول إلى معهد، و كان يلقي فيه دروس الفقه و النحو و البلاغة و التاريخ، و كان طلبة المعهد من عدة جهات من الوطن خاصة منطقة الزيبان و الأوراس. و من المشايخ الذين درسوا بهذا المعهد: محمد خير الدين، بلقاسم ميموني الغسيري، عبد القادر الياجوري، عبد الرحمان البركاتي، أحمد الدراجي العقبي، علي المغربي، أبوبكر بن رحمون، و بقي هذا المعهد يواصل مهمته إلى غاية افتتاح معهد الشيخ عبد الحميد بن باديس بقسنطينة، في شهر ديسمبر1947، فالتحق به الطلبة وبعض الأساتذة و منهم الشيخ نعيم النعيمي، و بقي يواصل وظيفته التعليمية إلى غاية اندلاع ثورة أول نوفمبر 1954 المجيدة، و قد إختص بتدريس مادتي النحو و الصرف في شروح القطر و الألفية ثم مادة الفقه في رسالة ابن أبي زيد.
بعد غلق مدارس جمعية العلماء و المعهد، تم نفيه إلى مسقط رأسه و وضع تحت المراقبة في أواخر سنة 1956. لكنه استطاع أن يشكل بعض الخلايا لجبهة التحرير من بعض معارفه الأوفياء، و عندما اكتشفت السلطات الفرنسية نشاطه أمرته بوجوب مغادرة المنطقة و خيرته بين توقرت و المسيلة، فاختار الثانية لتكون منفاه الأخير، إلى أن تم نقله إلى جبل بوطالب جنوب سطيف في تراب الولاية الأولى التاريخية حيث قررت القيادة سنة 1958 إرساله إلى تونس للعلاج، لكن القافلة تعرضت إلى هجوم جوي من طرف قوات العدو، فأصيب بشظايا القنابل و تم إسعافه بتونس،و تم تعيينه كمحافظ سياسي فكرس إمكانياته العلمية الغزيرة و قدراته الخطابية في خدمة القضية الوطنية هناك. في سنة 1961 أدى فريضة الحج واتصل بعلماء الحجاز كما زار دمشق و حمص و بيروت و القدس و القاهرة.
بعد استقلال الجزائر أسند إليه منصب مفتش الشؤون الدينية لولاية قسنطينة، في عام 1963 مثل الجزائر في المؤتمر الإسلامي الأعلى. وحضر مؤتمر ماليزيا في أفريل 1969 حول الصوم و عيد الفطر.
آثـــاره:
من المؤسف أن الشيخ نعيم النعيمي لم يترك أعمالا مطبوعة لانشغاله بهوايته المفضلة المتمثلة في المطالعة و البحث و التنقيب عن نفائس الكتب و المخطوطات. ومن آثاره المخطوطة:
1) نظم قطر الندى و بل الصدى يقع في 500 بيت.
2) قصائد شعرية.
3) محاضرات حول التاريخ الجزائري وبعض الدروس التي ألقاها على طلبة الآداب بجامعة قسنطينة.
4) بحوث قدمها في المؤتمرات الإسلامية التي كان يحضرها.
وفاتــه:
انتقل إلى الرفيق الأعلى يوم السبت 15 جمادى الأولى 1393هـ الموافق لـ 16جوان 1973م بمنزله في سيدي مبروك بقسنطينة بعد إصابته بمرض عضالي ) السكري و الضغط الدموي( مما أدى به إلى الشلل و صعوبة النطق. و تم تشييع جنازته في موكب مهيب حيث دفن بمقبرة قسنطينة المركزية يوم الاثنين 18 جوان 1973م وأبنه الشيخ محمد خير الدين و الشيخ أحمد حماني و الشيخ سعدي الطاهر حراث. فرحمة الله عليه و على العلماء العاملين.